شخصيات

من هي فريدة كاهلو الفنانة التي رسمت من عجزها جناحي الأبداع

من هي فريدة كاهلو

هي فنانة مكسيكية ولدت باسم ماجدولينا كارمن، عام 1907، من أب يهودي ألماني مهاجر يعمل مصورًا، وأم من أصل مكسيكي. غيرت بعدها هذا التاريخ إلى 1910 ليتزامن مع تاريخ الثورة المكسيكية. عاشت كاهلو حياة قصيرة جدًا، امتلأت بالصدمات منذ نعومة أظافرها وحتى وفاتها عام 1954، أي في عمر 47 سنة.

صدمات عاشتها فريدة كاهلو

صدمة الطفولة شلل الأطفال

كانت أولى الصدمات في حياتها في سن السادسة، حيث أصيبت بشلل أطفال جعل رجلها اليمنى أنحف من اليسرى، وخَّلف هذا تشوهًا في رجليها، ما ترك أثرًا سيئًا في نفسيتها لسنين عديدة، جعلها تحرص دائمًا على لبس الفساتين الطويلة والجوارب الصوفية الثقيلة حتى تخفي هذا العيب. ورغم ذلك كانت شخصيتها المرحة وانطلاقها مصدر جاذبية لكل من يقترب منها. أحبت علم الأحياء وكان حلمها أن تصبح طبيبة.

حادث الحافلة: آلام الجسد وسجن الفراش

فريدة كاهلو

في سن الثامنة عشر أصيبت في حادث حافلة مميت، نتج عنه كسور كثيرة في الظهر والحوض، وقيل إن سيخًا حديديًا نفذ من فخذها ليخرج من الناحية الأخرى، ما اضطرها إلى التمدد على ظهرها دون حراك لمدة سنة كاملة. قامت والدتها للتخفيف عنها بوضع مرآة ضخمة في سقف الحجرة لتتمكن من رؤية نفسها والأشياء المحيطة بها. كانت كاهلو في مواجهة يومية مع نفسها، فهي ترى صورتها أكثر من أي شيء آخر، ما جعلها تطلب أدوات للرسم وتدرك شغفها به، جاعلة منه مهنتها اليومية، متخلية عن حلمها الأول في دراسة الطب. وقد كان هذا الحادث مُغيرًا لمسار حياتها.

صدمة الهجر وفقد الأحباء

فريدة كاهلو

بعد تعرضها للحادث تركها حبيبها الأول أليخاندرو أريس، وذلك لعدم رضا عائلته عن هذه العلاقة، وأجبروه على السفر في رحلة إلى أوروبا.

صدمة الإجهاض وحلم الأمومة

فريدة كاهلو

أحبت كاهلو الفنان دييجو ريفيرا، وهو فنان جداريات مشهور. كانت مغرمة به منذ فترة المراهقة، وتعرف عليها وأعجب بفنها ولوحاتها، وتزوجا رغم أنه يكبرها بعشرين عامًا، امتلأت حياتهما غير التقليدية بالحب والفن. تعرضت كاهلو للإجهاض مرتين، مما أثر في نفسيتها كثيرًا لرغبتها الشديدة في الحصول على الأطفال وحلم الأمومة.

صدمة الخيانة والجروح النفسية

كانت من أصعب الصدمات في حياة كاهلو خيانات زوجها دييجو المتكررة، بالرغم من حبه لها وحبها له، إلا أن دييجو كانت له علاقات متعددة، إلى أن وصل أن خانها مع أختها الصغرى كرستينا، مما أدى إلى طلاقهما عام 1939، ولكنهما تزوجا مرة اخرى عام 1940 بعد أن عجزت كاهلو على العيش بمفردها، وأيضًا حب دييجو الشديد لها. ليعودا إلى الحياة الزوجية معًا ولكن حياة منفصلة جسديًا.

فريدة كاهلو

صدمة البتر والعجز الجسدي

زادت مشكلات فريدة الصحية عام 1950 بعد أن أصيبت بالغرغرينا في قدمها اليمنى، وقضت 9 أشهر في المستشفى خضعت خلالها لعدة عمليات، إلى أن تم بتر جزء كبير من ساقها اليمنى. دخلت بعدها في نوبة اكتئاب وحاولت الانتحار. عادت إلى المستشفى مرة أخرى بسبب الالتهاب الرئوي، وتوفيت في منزلها بعد احتفالها بعيد ميلادها الـ47 في منزلها، بسبب انسداد رئوي، وقيل إنه ربما يكون محاولة انتحار.

فريدة كاهلو

الفن ورحلة العلاج الطويلة

ما حاجتي لقدمين إن كان لي أجنحة للطيران؟!

كان الفن في حياة كاهلو رحلة علاج، أو قل معركة للحياة. من أقوالها المشهورة “ما حاجتي لقدمين إن كان لي أجنحة للطيران؟!”، فقد كان الفن بحق أجنحة لها. ويؤكد الأطباء والباحثون في مجال علم النفس أنه لكي تعبر من الصدمات واضطراب ما بعد الصدمة:

أولاً: أن تعبر وتتكلم عن ألمك وصدمتك في جو آمن.

ثانيًا: أن تخرج من حالة الإنكار وتكون صادقًا مع نفسك، وهذا ما حدث بالضبط في حياة هذه الفنانة. فقد وجدت في الفن بيئة آمنة ومريحة لكي تعبر عن مشاعرها وآلامها، وكانت صادقة لدرجة أن أي شخص ليس له علاقة بالفن عندما يرى لوحاتها يستطيع أن يفهم ما ترسمه، بل ويشعر بما تشعر به. فقد كتب أندريه بريتون عن أعمال كاهلو بأنها تشبه “شريط ملون ملفوف على قُنبلة”، فقد تميزت لوحات فريدة بحس تراجيدي عبرت فيه عن كل آلام نفسية وجسدية في حياتها.

كانت أولى لوحاتها في سن السابعة عشر مهداه لحبيبها الأول أليخاندر، وهي صورة ذاتية لها برداء مخملي، أعادها لها مرة أخرى عند سفره حفاظًا عليها. وتُعد من أهم الصور الذاتية لها، فقد رسمت الفنانة نفسها في ثلثي أعمالها تقريبًا، وهذا يفسر قولها “أنا ملهمة نفسي”. فشخصيتها بالفعل حاضرة في كل لوحاتها.

فريدا كاهلوFarida kahlo فريدا كاهلو

لوحات فريدة كاهلو

كان المرض سببًا لأن تواجه فريدة نفسها وترسم أوجاعها، فرسمت عن ولادتها وقدومها للحياة في لوحة بعنوان “ولادتي”. قالت فريدة عن هذه اللوحة إني قد أنجبت نفسي، أو”هكذا أتخيل أني ولدت”، وفيها تخرج رأس طفلة تشبهها بنفس الحاجبين المتصلين من رحم أمها. وتعد هذه اللوحة من أكثر اللوحات المحببة لها.

معاناة الألم الجسدي
ورسمت أيضًا جسدها داخل مشدات حديدية تعبيرًا عن ألمها الجسدي ومشكلاته الصحية المتلاحقة. وصورة أخرى باسم الفريدتين رسمتها بعد صدمة الخيانة والطلاق، وتعد من أكبر لوحاتها، تحتوي اللوحة على صورتين لفريدة، واحدة بالزي الملون التقليدي الذي كان زوجها يحبه ويفضله وبقلب عارٍ مجروح، والصورة الأخرى لها أيضًا برداء فيكتوري أبيض، يظهر قلبها الدامي. ويصل بين القلبين وريد وبيدها اليسرى مقص وشريان مقطوع، ينتهى بقطرات دماء تعبر عن ألمها وجرح الخيانة الذي أدمى قلبها المحب الرقيق.

فريدة كاهلو
لوحة “الفريدتين”
رسمت نفسها في حالة الإجهاض والطفل التي تمنت أن تحمله وأحلام الأمومة. ورسمت نفسها في صورة غزال يخترق جسده السهام ووجهها حزين، وسط غابة موحشة، ونظراتها الموجوعة تظهر كم إحساسها بالألم والضيق.

فريدة الجريحة قالت كاهلو: “أنا أرسم لأني دومًا وحيدة، وذاتي هي العنصر الذي أعرفه جيدًا”. عرفت ذاتها وعبرت عن جروحها، تكلمت بريشتها، لونت حياتها وجعلت من آلامها وأحزانها صورًا مقرؤه وخالده في عالم الفن.فريدة في فراش المرض
رحلت كاهلو عن عالمنا المليء بالأوجاع، بعد أن تركت رصيدًا فنيًا كبيرًا، وقصة حياة ملهمة، بل أصبحت من أهم الفنانات في عصرها، وتم حرق جسدها ووضع رماده مع رماد زوجها في جرة صغيرة، وضعت في البيت الأزرق مكان نشأتها في المكسيك كما تمنت، وأصبح بيتها مزارًا سياحيًا يحتوي على بعض لوحاتها ومتعلقاتها الخاصة.

كانت قد سجلت في مذكراتها قبل وفاتها بأيام قليلة عبارة حزينة تقول فيها “أتمنى أن يكون الخروج من هذه الحياة ممتعًا، كما أتمنى ألا أعود ثانية”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
اشترك الآن مجاناً مع أنا سلوى سوف تصلك أخبارنا أولاً ، وسنرسل إليك إشعاراً عند كل جديد لا نعم
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com