غير مصنفمنوعات

لماذا يكره بعض سكان ليفربول الملكة إليزابيث .. نحن لسنا إنجليز

حفظ الله الملكة “.. جملة ربما سيكون من السهل ترديدها على ألسنة الإنجليز في كل مكان داخل بريطانيا وخارجها، إلا إذا فكرت أن تخطو قدماك أولى خطواتها داخل مقاطعة ميرسيسايد.. إسم الملكة والعائلة الملكية كافة ممنوع منعًا باتًا التفوه به!

” نحن لسنا إنجليز.. نحن سكاوز! “.. عبارة ربما تمر مرور الكرام على أي شخص غير مهتم بما وراء الروايات والقصص، عبارة “نحن السكاوز” والتبرأ من بريطانيا اشتهر بها جماهير نادي ليفربول.. وأغلب سكان مقاطعة ميرسيسايد بشكل عام لديهم الميول نفسه.

تاريخ مساء يوم الخميس -الموافق 8 سبتمبر 2022- ربما دخل التاريخ في بريطانيا، حين أعلن القصر الملكي هناك خبر وفاة الملكة إليزابيث الثانية، والتي جلست على العرش لأطول فترة حكم ممكنة تُقدر بـ 70 عامًا.

خبر وفاة الملكة قلّب موازين الأمور في بريطانيا والعالم، حيث باتت المملكة المتحدة بؤرة اهتمام الملايين حول العالم، ما جعل البث المباشر لهيئة الإذاعة البريطانية BBC طوال الـ 24 ساعة منذ إعلان وفاة إليزابيث الثانية يحقق أعلى مشاهدات في تاريخه.

إنجلترا واسكتلندا وويلز ودول الممكلة المتحدة بالكامل أعلنت الحداد لـ 10 أيام في مختلف البلاد، لحين تشييع جنازة الملكة إليزابيث وتنصيب نجلها تشارلز آرثر ملكًا جديدًا لبريطانيا.

نحن لسنا إنجليز.. نحن سكاوز

حتى أن الأحداث الرياضية وكرة القدم توقفت أيضًا، فإتخذ الاتحاد الإنجليزي -كعلامة احترام وتقدير للفقيدة- قرارًا بتأجيل مباريات الجولة السابعة من الدوري الإنجليزي، وكذلك تأجيل مباريات الدرجات المختلفة في الدوريات لإشعار آخر.

الصمت الذي يعم أرجاء إنجلترا وبريطانيا بالكامل، قابله صخب كبير في مدينة ليفربول.. الكراهية بين الشعب في ليفربول تجاه العائلة الملكية والحكومة البريطانية ليس وليد اللحظة بكل تأكيد، فهناك وقائع تاريخية حوّلت ليفربول من المدينة الأكثر رواجًا إلى المدينة المهمشة والمعاقبة سياسيًا وجغرافيًا منذ قديم الآزل.

رواية يرويها البعض 

مدينة ليفربول تتمتع بشخصية فريدة من نوعها سواءً من حيث الطراز أو الموقع والجغرافيا أو السكان وكذلك الأديان، فمنذ قديم الآزل وتحديدًا منذ تأسيسها عام 1207، تتميز المدينة بوجودها بين نهر ميرسي والبحر الأيرلندي، حيث تطل من الجانبين على اسكتلندا وأيرلندا، لذا كان من الطبيعي أن يُجيد سكانها الصيد والزراعة.

ومع التطور واكبت المدينة وسكانها كل شيء بسرعة كبيرة، باتت مدينة ليفربول من أكبر المدن التي تُدر الأموال على بريطانيا، بسبب إزدهار التجارة هناك، وبعد اختراع الماكينات البخارية، أصبحت المدينة رائدة في تصنيع القطن، حتى أن ليفربول باتت مركزًا رئيسيًا لتلك الصناعة الحديثة.

وفي القرن الـ 19، شهدت ليفربول على إنشاء أول خط سكك حديدية في العالم، نعم هو نفسه الذي ربط بين مدينتي ليفربول ومانشستر، ما ساهم في نقل ليفربول نقلة حضارية كبرى، لتتحول إلى مركز للصناعة والتجارة والملاحة وخدمات الشحن أيضًا.

ليفربول لم تُدر الأموال على بريطانيا بالكامل فقط، بل نظرًا لموقعها الجغرافي باتت مركزًا رئيسيًا لكل شيء في بريطانيا، حيث كانت تطل على مختلف قارات العالم من كل جهة، خاصة وأن بريطانيا كانت عبارة عن جزيرة معزولة عن الجميع حتى 1993، حين تم إتخاذ قرار بشق نفق المانش بين بريطانيا وفرنسا.

مدينة ليفربول أيضًا كانت شاهدة على إنشاء أول مسجد في بريطانيا وذلك عام 1886، ألا وهو المسجد المعروف بإسم مسجد الرحمة.

بجانب الإسلام، فإن المدينة شاهدة أيضًا على وجود أكبر كاتدرائية في بريطانيا وأكبر كنيسة في العالم، المعروفة بإسم “كاتدرائية ليفربول الأنجليكانية”، تلك الكاتدرائية أبعدت ليفربول عن الصراع الديني بين الكاثوليك والبروتستاتي في مختلف بريطانيا.

خلال فترة الحرب العالمية الأولى، كانت ليفربول مكان تمركز القوات الاسكتلندية للدفاع عن المدينة بالكامل، وفي الحرب العالمية الثانية، كانت ثانِ أكثر مدينة بريطانية تتعرض للقصف بالغارات الجوية، ما أدى لسقوط آلاف القتلى والجرحى في ذلك التوقيت.

ولأن الحطام الذي شهدته مدينة ليفربول لم يلقِ أي اهتمام من السلطة التي أتخذت من لندن مقرًا لها، فقرر سكان المدينة الخالدة الاحتفاظ ببعض آثار الدمار والحروب حتى الآن في أرجاء المدينة، فتم ترك كنيسة “سانت لوك” محطمة بفعل الغارات كما هي لتكون شاهدة على جرائم الحروب التي شهدتها المدينة في الماضي.

ا

المدينة الجميلة التي كانت مصدر ثراء وتطور بريطانيا بالكامل، تحول فيها كل شيء إلى النقيض فجأة! لكن كل ما حدث كان أمام أعين العائلة الملكية والحكومة البريطانية والجميع أمعن النظر جيدًا حد التجاهل.

في الخمسينات من القرن الماضي، كان ميناء ليفربول يناطح أكبر المواني في أوروبا، حتى أنه تفوق على المواني الكبرى مثل: هامبورج وروتردام، حتى تدخلت الحكومة البريطانية بتصرف غير مبرر وغير متوقع!

بسبب القرار الذي أتخذته الحكومة البريطانية آن ذاك، وصلت معدلات البطالة في ليفربول فقط إلى 50% وكانت تزداد بشكل كبير مع الوقت!

الكاتبة “ليندا جرانت” في روايتها الشهيرة “Still Here” أو “ما زلت هنا”، سلطت الضوء على قرار الحكومة البريطانية الصادم لأبناء مدينتها ليفربول في النصف الثاني من الستينات. بعدما أتخذ قرار بالاعتماد على ميناء مدينة مانشستر! بدلًا من ميناء مدينة ليفربول!

ظل الوضع يتأزم أكثر فأكثر منذ منتصف الستينات وحتى أوائل الألفية الأولى، حتى دخلت مدينة ليفربول في عداء مع جارتها مدينة مانشستر ومن هُنا عُرف العداء الكروي بين فريقي ليفربول ومانشستر يونايتد الذي كان يُمثل المدينة منفردًا في ذلك التوقيت!

حمّل سكان ليفربول كل الكراهية لسكان مانشستر وكراهية مضاعفة للحكومة البريطانية والعائلة الملكية التي شاهدت كل شيء وصمتت.

حاولت مدينة ليفربول إعادة تأهيل عمال الميناء من أجل العمل في وظائف مختلفة، بعدما تحولت كل السفن والمراكب إلى ميناء مانشستر، ولا أحد يفكر في المرور نحو ليفربول! ولإنهاء المأساة وانتشال المدينة من الفقر الذي سقطت فيه، كان على الجميع نفض الغبار والعودة إلى وظائف مختلفة.

حتى أن المدينة دخلت في عداء شديد جدًا مع وزارء حكومة بريطانيا في فترات مختلفة، لكن “مارجريت تاتشر” كانت الوزيرة التي لاقت كراهية شديدة من قِبل سكان ليفربول كافة، خاصة وأنها كانت وراء تعرض المدينة لتدهور استثماري واقتصادي وتراجع مكانتها بشكل كبير جدًا.

ظل الوضع كما هو عليه حتى وصل “توني بلير” إلى منصب رئيس وزراء بريطانيا في 1997، ومن بعده “جوردون براون” في 2007، تعود الروح إلى المدينة بالكامل، وتصبح القلب النابض لمن حولها مُجددًا.

الملكة في ليفربول
الملكة اثناء زيارتها ل ليفربول

الملكة إليزابيث في ليفربول

واحدة من أكثر القصص المُحزنة في تاريخ كرة القدم.. ما أصاب جماهير ليفربول في عام 1989 فيما عُرف إعلاميًا بـ”كارثة هيلزبره”، عندما توفى 96 مشجعًا في ملعب كرة قدم!

حينها أتخذ الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم قرارًا غريبًا بإقامة مباراة بين ليفربول ونوتنجهام فورست في نصف نهائي كأس الاتحاد في ملعب فريق شيفيلد وينزداء المعروف بإسم “هيلزبره”، المدهش في الأمر أن الملعب كان لا يتسع سوى لحضور 35 ألف مشجع فقط.

ما يجعل ملعب “هليزبره” اختيار سيء جدًا لمباراة تجمع أكبر فريقين من حيث الجماهيرية في فترة الثمانينات، حيث كان ليفربول ونوتنجهام في منافسة استثنائية محليًا وأوروبيًا على مختلف البطولات.

لكن ما زاد الطين بلّة، كان تخصيص المدرج الأيمن فقط لأنصار ليفربول، وهو مكان لا يتسع سوى لـ 16 ألف مشجع! وهو ما لا يتناسب على الإطلاق مع جماهير غفيرة مثل جماهير ليفربول التي اعتادت منذ قديم الأزل الزحف خلف فريقها في كل مكان.

وفي الثمانينات، كان السائد في تصميم الملاعب، وضع سياج حديدي يفصل بين المدرجات وأرضية الملعب بسبب انتشار ظاهرة الهوليجانز، وهم مجموعة مشجعين يميلون إلى استخدام العنف وأعمال الشغب!

أما عن الطريق نحو ملعب المباراة، ففي وضع مفاجئ أيضًا! تم تخصيص طريق واحد فقط لسكان ميرسيسايد من أجل الذهاب إلى الملعب، وفجأة شهد هذا الطريق أعمال صيانة أدت إلى تعطل حركة المرور لساعات طويلة، فتأخر بالطبع وصول الجماهير إلى الموعد المناسب.

أما قوات الأمن المنظمة للمباراة وقتها، فقد لجأت إلى قرار استثنائي ومفاجئ! بعدما سمحت بدخول جماهير ليفربول من بوابة واحدة فقط، وانسحبت تلك القوات من أمام البوابات أيضًا، ما أدى لتدافع الجماهير من أجل الدخول سريعًا إلى الملعب بشكل سريع.

حتى أن دخول الجماهير إلى ملعب المباراة استمر حتى بعد انطلاق اللقاء! فلم يمر سوى 3 دقائق و6 ثوانِ حتى توقفت كرة القدم داخل الملعب، ليُسمح فقط بأصوات صريخ الأطفال والكبار ونزيف الدماء الذي لطخ كل رقعة داخل الملعب.

حين التصقت جماهير ليفربول بالسياج الحديدي وظل التدافع فيما بينهم قائمًا، حتى وصلت قوات الأمن في وقتِ متأخر كالعادة، وقامت بفتح السياج لتسمح لأعداد من الجماهير بالنزول إلى أرض الملعب!

تسبب كل هذا في وفاة 96 مشجع من جماهير ليفربول، أصغر الضحايا طفلة بععمر 10 سنوات، وأكبرهم رجل عجوز بعمر 75 عامًا.

هل أنتهى الأمر عند هذا الحد؟! لا بالطبع.. مارجريت تاتشر أو كما يطلق عليها جماهير ليفربول “تاتشر العجوز الشريرة”، كان لها رأي آخر.

في اليوم نفسه لحادثة هيلزبره، انتشرت رواية على لسان قوات الأمن داخل الملعب، بأن جماهير ليفربول كانت تتناول الخمور بشراهة بجانب أنهم قاموا بالتبول على رجال الشرطة للتخلص منهم من أمام بوابات الملعب!

تاتشر في اليوم التالي للكارثة، ذهبت تدعس على دماء الجماهير داخل ملعب “هيلزبره” وهي تروج للرواية نفسها التي قالتها قوات الأمن! حتى أنها وجهت أصابع الإتهام في تلك الواقعة إلى جماهير ليفربول بعد إتهامهم بأنهم من قتلوا أنفسهم!

أهالي ضحايا هيلزبره ومعهم جماهير ليفربول خرجوا في مظاهرات ووقفات احتجاجية للرد على إدعاءات “تاتشر” المخزية، حتى أن نادي ليفربول وإدارته ساندتهم وتولت ملف القضية منذ 1989 وحتى 2012.

ما جعل الحكومة البريطانية تتخذ قرار بإبعاد “تاتشر” عن تلك القضية، وإسناد التحقيقات إلى “اللورد بيتر موراي تايلور”، الذي أصدر بعد شهر التمام تقريرين، الأول يؤكد أن الملعب كان غير مؤهل لاستضافة المباراة، والثاني أدان خلاله الشرطة ووصف تصرفها بالتصرفات غير المشرفة.

ظل الوضع كما هو عليه، حتى أشرق شمس الثاني عشر من ديسمبر عام 2012، حين زف “ديفيد كاميرو” رئيس وزراء بريطانية في ذلك الوقت خبرًا أعاد الروح إلى الجسد لجماهير ليفربول وبعد 23 عامًا من انتظار أن تتحقق العدالة.

خرج “ديفيد كاميرون” بخطاب لن تنساه جماهير ليفربول على الإطلاق، حيث أكد أمام مجلس العموم البريطاني، على براءة جماهير ليفربول من كارثة هيلزبره، مؤكدًا أن جماهير ليفربول بريئة من كل الافتراءات وأن الشرطة أخفت الأدلة والحقائق التي تدينها بأنها المتسبب الرئيسي في وقوع الكارقة!

ديفيد كاميرون اختتم بيانه أمام مجلس العموم البريطاني بعبارات قاسية ومُلهمة في الآن ذاته، حين قال: ” أعتذر بشدة، بالنيابة عن هذه البلد كافة، أقدم اعتذاري العميق عن الظلم الذي تعرض له أسر الضحايا، كان ظلمًا مزدوجًا بالفعل، جماهير ليفربول لم تكن السبب في تلك الكارثة أبدًا “.

ممنوع اصطحاب صحيفة “ذا صن” داخل مدينتنا!

صحيفة “ذا صن” كانت منبر لنشر تصريحات مارجريت تاتشر في وقت كارثة هليزبرة، حيث كانت الصحيفة تضع تشبيهات مثيرة للجدل وتصريحات غير لائقة على جماهير ليفربول.

وكانت من أكثر الصحف التي أتخذت منحنى سلبي تجاه جماهير ليفربول، بجانب قيامها بحملة دعم لافتراءات مارجريت تاتشر، فكانت دائمًا ما تنشر ما يُدين هؤلاء الجماهير فقط.

ففي أعقاب كارثة هيلزبره، قامت صحيفة “ذا صن” بنشر ملف بعنوان “الحقيقة هنا”، أتهمت الصحيفة خلالها جماهير ليفربول بقتل أنفسهم!

لم تكتفِ الصحيفة بذلك، بل قامت بتضليل كل شيء، فقالت على سبيل المثال: ” لقد قام بعض المشجعين بسرقة جيوب الضحايا! وهناك من قام بالتبول على رجال الشرطة الشجعان “.

وفي إدعاء آخر، إتهمت صحيفة “ذا صن” جماهير ليفربول بتناول الكثير من الخمر والسكريات ما جعلهم مخمورين بشكل كبير، حتى أن بعضهم هاجم عمال الإنقاذ والمسعفين!

في ذلك التوقيت، خرجت حملة في ليفربول لمقاطعة صحيفة “ذا صن” تمامًا، لم يفعل ذلك مشجعي ليفربول فقط، بل قام مشجعي إيفرتون أيضًا بمقاطعتها حتى باتت من الصحف الغير محبذ وجودها في ميرسيسايد نهائيًا.

الأمر الذي أدى لخروج صحيفة “ذا صن” للاعتذار من جماهير ليفربول عما فعلته في كارثة هيلزبره، حيث خرج الصحفي “كيلفن ماكينزي” محرر في “ذا صن” بالاعتذار عام 1993 عن خطأه في تغطية وقائع الكارثة، وتقديم معلومات مضللة للجميع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
اشترك الآن مجاناً مع أنا سلوى سوف تصلك أخبارنا أولاً ، وسنرسل إليك إشعاراً عند كل جديد لا نعم
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com